2021-05-28 21:32:52

 

دائمًا ما يتردد سؤال في أعقاب أي عملية احتيال كبرى: كيف يمكن أن يحدث هذا؟

 

في كثير من الأحيان، يتم تمرير المسؤولية عن الاحتيال بين أعضاء فريق الإدارة والمستشارين الخارجيين ومجلس الإدارة بشكل مثير للجدل. في نهاية المطاف، تتحمل الإدارة العليا مسؤولية اكتشاف ومنع عمليات الاحتيال.

 

لسوء الحظ، وفقًا لدراسة أجريت على جميع إجراءات إنفاذ المحاسبة والتدقيق الصادرة عن هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والتي تم تطبيقها بين عامي 1998 و2007، في عمليات الاحتيال المحاسبية المزعومة، شارك الرئيس التنفيذي والمدير المالي بشكل مباشر بنسبة 89% من عدد المرات.

 

ما هو الشيء الأكثر وضوحا؟ التأثير المالي للاحتيال كبير. وفقا لبحث نشرته كلية الحقوق بجامعة نيويورك، فإن التكلفة السنوية لعمليات الاحتيال المؤسسي على المستثمرين تتراوح بين 180 إلى 360 مليار دولار.

 

يعتبر انتشار عمليات الاحتيال في المؤسسات الحديثة أمرًا مذهلًا مع الأخذ في الاعتبار الهيكل المطبق للقضاء على حالات الاحتيال. في أي شركة عامة كبيرة، هناك الآن "سلسلة قيمة للتقارير المالية" كاملة - بما في ذلك المدققون الداخليون، والمدققون الخارجيون، ولجنة التدقيق، والمراقب المالي والمدير المالي – وهي مصممة للكشف عن الاحتيال ومنعه قبل أن يكون له تأثير مادي على نتائج الشركة.

 

دور المدققين الخارجيين

 

غالبًا ما يكون لدى الجمهور المستثمر انطباع بأن مدقق الشركة يقوم بإعداد البيانات المالية نيابةً عن الإدارة - في حين أن المدقق محظور قانونًا من القيام بذلك. حتى المحاكم غالبًا ما يلتبس عليها الأمر بشأن هذه المسألة، حيث تؤكد في بعض الأحيان على أن المدققين قد "صادقوا" أو ضمنوا دقة البيانات المالية المنشورة التي اعتمد عليها المستثمرون.

 

في قضية Deephaven ضد Grant Thornton لعام 2006، أوضحت محكمة الاستئناف بالدائرة العاشرة دور المدقق: "لا يقوم المدققون "بالمصادقة" على البيانات المالية للشركة بمعنى أنهم" يضمنونها" أو "يتأكدوا منها". كما أنهم، وفقًا لتدقيق البيانات المالية للشركة، بطريقة ما، لا يقومون أو يتحملوا مسؤولية أو يوافقون على التأكيدات الواردة في البيانات المالية".

 

بدلاً من ذلك، فإن الغرض من التدقيق يتمثل في إجراء سلسلة من الاختبارات التي تمكن المدقق من التعبير عن رأيه حول "التأكيد المعقول"، وليس اليقين، بأن البيانات المالية خالية من الأخطاء. إذن، هل يعني ذلك أن المدققين في مأزق عندما يتعلق الأمر بالاحتيال؟ بل على العكس.

 

في عام 2017، قام مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة "PCAOB " بتعديل مسؤوليات مدقق الحسابات لتوضيح أن الكشف عن الاحتيال يقع ضمن نطاق تلك الواجبات: "يتحمل المدقق مسؤولية تخطيط وتنفيذ عملية التدقيق للحصول على تأكيد معقول حول ما إذا كانت البيانات المالية خالية من الأخطاء المادية، سواء كانت تلك الأخطاء ناتجة عن خطأ أو احتيال".

 

كما قدم مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة للمدققين إرشادات وتوجيهات تفصيلية حول كيفية تحديد مخاطر الاحتيال، وتنفيذ إجراءات تكميلية في المجالات عالية المخاطر، وإبلاغ الإدارة ومجلس الإدارة والجهات التنظيمية بالنتائج التي يتوصلون إليها في حالة الكشف عن الاحتيال. تتمركز وظيفة "gatekeeper أو حارس البوابة" للمدقق حول ممارسة "الشكوك المهنية" أثناء إثبات وتقييم موثوقية المعلومات المقدمة من الإدارة.

 

تشمل بعض الأدوات المتاحة للمدققين إجراء زيارات المواقع وعمليات جرد النقدية المفاجئة، وإجراء مقابلات مع موظفين من المستوى الأدنى، وتحليل البيانات المصنفة لمعرفة ما إذا كانت هناك تباينات واختلافات، والتحقق من العملاء والموزعين الرئيسيين، وإجراء اختبارات باستخدام الحاسب الآلي على بيانات الإيرادات الأساسية للبحث عن المخالفات. مع توافر أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، يجب أن يكون المدققين قادرين على تحديد أنماط حالات الاشتباه لإجراء المزيد من التحقيقات بسهولة أكبر.

 

رغم وضع هذه المعايير بشكل خاص من أجل عملية التدقيق، لم يقم المدققون المستقلون بالكشف عن أيًا من حالات الاحتيال الكبرى خلال العقدين الماضيين وإبلاغ الجهات التنظيمية بها.

 

حتى عندما يكون المدققون حسني النية، فهناك أنواع معينة من عمليات الاحتيال المعقدة التي قد يصعب اكتشافها دون استخدام خبرة متخصصة في التدقيق القضائي. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التواطؤ بين الشركة وبنوكها، أو العملاء الرئيسيين أو الوكالات الحكومية إلى قيام مدقق "بتأكيد" الإيرادات الخيالية أو الأرصدة النقدية. وهذه مخاطرة في الأسواق النامية، حيث قد تفتقر الأطراف المقابلة إلى ضوابط داخلية قوية خاصة بها.

 

مكافحة عمليات الاحتيال بسوق الأسهم

 

إلى أن يتم القضاء على الجشع والكراهية في السلوك البشري، فمن غير المرجح أن يكون الاستثمار في أسواق الأسهم "آمنًا" تمامًا من خطر الاحتيال المالي.

 

لكن هناك بعض التغييرات الهيكلية التي قد تكون فعالة في الحد من حالات الاحتيال عبر دورة السوق من خلال التثقيف المحسن وعمليات الإفصاح الأكثر شفافية.

 

وفيما يلي بعض الاقتراحات:

 

1- إرسال المدققين إلى مدرسة مكافحة الاحتيال

 

يتطلب الحصول على شهادة المحاسب القانوني المعتمد دراسة واجتياز اختبار صارم يغطي إجراءات التدقيق وقواعد المحاسبة والاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات والعمليات والأخلاقيات. وما ينقصنا بشكل واضح هو أي تدريب محدد على كيفية اكتشاف عمليات الاحتيال. يجب أن يكون الكشف عن الاحتيال جزءًا من التعليم الأساسي لكل متخصص في تدقيق حسابات الشركات العامة، بالإضافة إلى شروط التعليم المستمر. يجب أن تتضمن الموضوعات الظروف التي تسمح بحدوث عمليات احتيال، وكيفية إجراء تقييمات للمخاطر المتعلقة بالاحتيال، وكيفية إجراء اختبار إضافي، ومتى يتم طلب موارد إضافية للمصادقة على المستندات أو إجراء اختبارات القضائية على أنظمة الحاسوب.

 

بمجرد أن يكون لدى موظفي التدقيق المعرفة والعقلية للبحث عن حالات الاحتيال، يجب عندئذ تزويدهم بالوسائل اللازمة للتصعيد، دون خوف من العقاب، في حالة اعتقدوا أن هناك حالات مشتبه بها لا يتم التعامل معها بواسطة شريك عملية التدقيق. يجب الاستغناء على كبار الشركاء ممن يثبت تورطهم في عمليات الاحتيال وحرمانهم من استحقاقات التقاعد.

 

2- جعل عمليات التفتيش سهلة الاستخدام بالنسبة للعملاء.

 

يجري مجلس الرقابة على حسابات الشركة العامة حاليًا عمليات تفتيش منتظمة على المدققين لتقييم جودة عمليات التدقيق. في عام 2018، قام مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة بالتفتيش على 160 مدقق مختلف ومراجعة أكثر من 700 عملية تدقيق مختلفة بالشركات. يصدر مجلس الرقابة على حسابات الشركة العامة تقارير بعد عمليات التفتيش هذه والتي تحدد أنواع أوجه القصور المكتشفة في عمليات التدقيق، لكنه يحجب الكثير من التفاصيل طالما أن الشركة تصحح المشكلات خلال 12 شهرًا من التقرير.

 

في عام 2017، وجد مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة أن بعض الشركات لديها أوجه قصور في 50% إلى 73% من عمليات التدقيق التي تم فحصها، إلى درجة أن الشركات لم يكن لديها أدلة كافية لدعم رأيها في عملية التدقيق. بينما يوضح مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة أن هذه التقارير ليست مصممة لتوفير "بطاقة أداء متوازن"، يجب أن تفكر الشركات في تقديم المعلومات بصياغة أكثر فائدة للمستثمرين ولجان التدقيق. على سبيل المثال، قد يؤدي عرض النسبة المئوية لعمليات التدقيق غير الصحيحة التي تقوم بها الشركات إلى تقديم حوافز مالية قوية لمكافأة الشركات التي تبذل الجهد لتحسين جودة التدقيق ومنع الاحتيال.

 

3- جعل لجان التدقيق مسؤولة

 

بالنظر إلى الدور المركزي الذي تلعبه لجنة التدقيق في تعيين المدقق المستقل والإشراف عليه، والإشراف على إدارة التدقيق الداخلي ومناقشة القرارات المحاسبية الهامة مع الإدارة، فإن المزيد من الشفافية حول كيفية تنفيذ هذه الأدوار ستكون ذات قيمة بالنسبة للمستثمرين. إن تقديم خطاب سنوي من لجنة التدقيق إلى المساهمين حول كيفية تحديد هذه المهام وتنفيذها من شأنه أن يوفر رؤى مفيدة حول مستوى الاستقلالية والتبصر المتوافرين. يجب تدريب جميع أعضاء مجلس الإدارة على تقنيات بناء مؤسسة مقاومة للاحتيال، بما في ذلك توفير القدوة في "الإدارة العليا"، والضوابط الداخلية الفعالة، ومعالجة مخاوف المبلغين عن المخالفات وتحديد السلوكيات والمعاملات عالية الخطورة.

 

في حين لا يزال الاحتيال المالي استثناًء بين الشركات العامة، فإن عواقبه على القيمة الصافية للمستثمرين والثقة في نزاهة الأسواق ربما تكون مدمرة. قد يساعد التركيز الأكبر على التدريب والشفافية والمواءمة الصحيحة للحوافز في القضاء على عمليات الاحتيال في الشركات العامة الكبرى إلا في حالات نادرة.